المصدر الأصلي للمقال – http://crab.rutgers.edu/~goertzel/mythsofmurder.htm

إذا كنت تريد إصدارًا أطول وأكثر تفصيلًا لهذا البحث في صورة ملف وورد، فانقر هنا.

هل تعتقد أنه في كل مرة يتم فيها تنفيذ حُكم الإعدام على سجين في الولايات المتحدة، يتم ردع ثماني مُجرمين مُحتملين؟ هل تعتقد أن زيادة عدد الأسلحة المُرخصة بين المواطنين بنسبة 1% ستؤدي إلى انخفاض بنسبة 3.3% في معدل جرائم القتل في الدولة؟ هل تعتقد أن انخفاض الجريمة في التسعينات بنسبة 10% إلى 20% سببه زيادة عمليات الإجهاض في السبعينيات؟ أم أن معدل القتل كان سيزداد بنسبة 250% منذ عام 1974 إذا لم تقم الولايات المتحدة ببناء العديد من السجون الجديدة؟

إذا تم تضليلك من قبل بأي من هذه الدراسات فيجب أن تعلم أنك قد وقعت في شكلٍ خبيثٍ من العلم الذي يستخدم إحصاءات رياضية غير دقيقة لا يوجد لها أساس معرفي يضمن للعلماء والمحللين التنبؤ بمستقبل الظاهرة أو وضع استنتاجات رئيسية لها.

ومع ذلك فحتى إذا كانت هذه الأرقام والإحصاءات صحيحة وجاءت نتيجة دراسات قام بها علماء مرموقون من مؤسسات معروفة وتم نشرها في مجلات علمية. إلا أن هذه الحسابات الإحصائية المعقدة تُعطي “حقائق” رقمية دقيقة يمكن استخدامها على نطاق ضيقٍ كنقاط جوهرية للمُرشحين في المناظرات السياسة! لكن في الحقيقة، فإن قبل جفاف حبر إحدى هذه الدراسات فإن هناك دراسات أخرى تُظه “حقائق” مختلفة تمامًا. فعلى الرغم من طابعها ومظهرها العلمي، إلا أنها لا تُلبي المعيار الأساسي للنموذج الرياضي المفيد؛ وهو القدرة على وضع تنبؤات أفضل من الصدفة العشوائية.

على الرغم من أن الاقتصاديين هم الممارسون الرئيسيون لهذا الفن الغامض، إلا أن علماء الاجتماع وعلماء الجريمة وغيرهم من العلماء أصبحوا مولعون أيضًا بالإحصاءات والأرقام. وهي معروفة بأسماء مختلفة، بما في ذلك “النمذجة الاقتصادية” و “نمذجة المعادلة الهيكلية” و “تحليل المسار”. كل هذه الطرق يتم استخدامها لدراسة الارتباط بين المتغيرات واستخراج استنتاجات سببية.

ولكن كما يعلم أي شخص لديه دراية بعلم الإحصاء فإن المشكلة هو أن الارتباط لا يعني دائمًا السببية. فغالبًا ما يكون الارتباط بين متغيريْن هو أمر “زائف” نظرًا لأن العلاقة تكون ناتجة عن متغير ثالث. يحاول مصممو النماذج الاقتصادية التغلب على هذه المشكلة من خلال تضمين جميع المتغيرات التي لها صلة بالموضوع في تحليلاتهم وذلك باستخدام تقنية إحصائية تُسمى “الانحدار المتعدد”.

والانحدار المُتعدد هو عبارة عن تقنيّة إحصائية يتم استخدامها حينما يكون متغير الاستجابة كميًا. وإذا توفر لدى الباحث المقاييس المثالية لجميع المتغيرات السببية فإن ذلك يعني أنه سينجح في الوصول إلى نتائج دقيقة، لكن البيانات لا يُمكن أن تكون دقيقة وكاملة طيلة الوقت لذا فإن الجهود المُتكررة لاستخدام تقنية الانحدار المُتعدد لتحقيق إجابات نهائية على أسئلة السياسة العامة سوف تفشل!

لكن العديد من علماء الاجتماع يترددون في الاعتراف بالفشل. فلقد كرسوا سنوات من أعمارهم في تعلم ومن ثمَ تدريس نموذج الانحدار المتعدد وهم يواصلون استخدام هذا النموذج لتقديم الحجج السببية التي لا تبررها بياناتهم. لذا فإنني أُسمي هذه الحجج “أساطير الانحدار المتعدد” ويُمكنني تناول 4 دراسات عن معدلات القتل كأمثلة.

الأسطورة الأولى: المزيد من البنادق يعني مُعدَّل جريمة أقل!

استخدم الخبير الاقتصادي في جامعة ييل (جون لوت) نموذجًا اقتصاديًا للقول بأن “السماح للمواطنين بحمل أسلحتهم المُرخصة بشكلٍ مخفي يردع الجرائم العنيفة دون زيادة في الوفيات”.

وبالتالي فإن تحليل لوت يتضمن طلبًا ضمنيًا للسلطات بإصدار القوانين التي تُبيح إمتلاك أسلحة مخفية لأي مواطن ملتزم بالقانون يتقدم بطلب للحصول على سلاح. حيث قدر لوت أن كل زيادة بنسبة 1% في ملكية السلاح بين المواطنين سوف يُقابلها انخفاضًا بنسبة 3.3% في معدل الجريمة.

نشر لوت والمؤلف المشارك له (ديفيد موستارد) النسخة الأولى من دراستهما على الإنترنت في عام 1997 وقام عشرات الآلاف من الأشخاص بتنزيلها منذ ذلك التاريخ. لقد كانت هذه الدراسة موضوعًا لمنتديات السياسة وأعمدة الصحف ونواةً لمُناقشات مُعقدة للغاية على شبكة الويب العالمية. في كتاب يحمل عنوانًا جذابًا للغاية وهو (جرائم أقل .. أسلحة أكثر) فإن لوت سخر من مُنتقديه؛ متهما إياهم بوضع الأيديولوجية قبل العلم.

عمل لوت هو مثال على استخدام البراعة الإحصائية الانفرادية لإزعاج المُنتقدين! حيث أن لديه المزيد من البيانات وهو يمتلك تحليلًا مًعقدًا لهذا الموضوع وهو ما يجعل لديه الشجاعة لمُطالبة كل من يريد تحدي حججه بأن ينغمس في نقاش إحصائي معقد للغاية معه سيكون لوت فيه قادرًا على وضع حسابات صعبة جدًا لدرجة انه لا يُمكن مُعالجتها باستخدام أجهزة الكمبيوتر العادية! لذا فإنه يتحدى أي شخص يختلف معه بتنزيل بياناته وإجراء الحسابات من جديد، لكن مُعظم علماء الاجتماع لا يعتقدون أن الأمر يستحق كل هذا الوقت منهم لتكرار دراسات باستخدام طرق فشلت مرارًا وتكررًا من قبل.

ومع ذلك فإن مُعظم الباحثين في مجال التحكم بالأسلحة تجاهلوا مزاعم لوت وموستارد واستمروا في عملهم. حيث كتب فرانك زيمرينج وجوردون هوكينز وهما باحثان يتمتعان باحترام كبير في مجال العدالة الجنائية مقالًا في عام (1997) يوضحان فيه أنه كما استطاع جون لوت وديفيد موستارد استخدام نموذج واحد من محددات القتل إنتاج نسبًا إحصائية تُشير إلى أن ثمة قوانين “يجب أن تصدر” لتقليل جرائم القتل، نتوقع منهم أن يُصدروا علاجًا لنفس الظاهرة في فترات تاريخية مُختلفة و بنماذج مختلفة وتأثيرات معاكسة. فالنمذجة الاقتصادية هي سيف ذو حدين في قدرتها على تسهيل النتائج الإحصائية لتدفئة قلوب الأشخاص الذين يؤمنون بفاعلية الاستنتاج وضرورة تطبيقه.

كان زيمرينج وهوكينز على حق. ففي غضون عام، نشر العالمان الاقتصاديان دان بلاك ودانيال ناجين في عام (1998) دراسة تظهر أنهما إذا قاما بتغيير النموذج الإحصائي قليلاً، أو طبقوه على شرائح مختلفة فإن نتائج لوت وموستارد سوف تختفي! وجد بلاك ودانيال أنه إذا تمت إزالة فلوريدا من العينة فلن يكون هناك أي تأثير لمُعدَّل للإجهاض على معدل القتل والاغتصاب. وخلصوا إلى أن “الاستدلال المبني على نموذج لوت وموستارد غير ملائم، ولا يمكن استخدام نتائجهم بشكل مسؤول لصياغة سياسة عامة.

ومع ذلك فقد اعترض جون لوت على تحليلهما واستمر في الترويج لتحليله الخاص. جمع لوت بيانات لكل مقاطعة من الولايات الأمريكية خلال الفترة من عام 1977 وحتى 1992. المشكلة في ذلك هي أن المقاطعات الأمريكية تختلف اختلافًا كبيرًا في الحجم والخصائص الاجتماعية. ففي عدد قليل من الولايات الكبيرة تحتوي على مقاطعا رئيسية في جرائم القتل بالولايات المتحدة. ولا يوجد في أي من هذه المقاطعات الكبيرة قوانين لمكافحة الأسلحة. وهذا يعني أن بيانات لوت الضخمة كانت غير مناسبة لمهمته. حيث لم يكن لديه اختلاف في متغيره السببي الرئيسي وهو ضرورة إصدار قوانين ترخيص السلاح في الأماكن التي وقعت فيها معظم جرائم القتل.

ولكن لوت لم يذكر هذه المعلومات في كتبه أو مقالاته. وعندما اكتشفت عدم وجود قوانين ترخيص السلاح في المُدن الكبرى وفي دراستي لبياناته سألته عن ذلك فتجاهل سؤالي قائلاً إنه “سيطر” على حجم السكان في تحليله! لكن إدخال التحكم الإحصائي في التحليل الرياضي لم يعوِّض حقيقة أنه لم يكن لديه بيانات عن المدن الكبرى حيث كانت جرائم القتل أكثر بكثير.

استغرق الأمر مني بعض الوقت للعثور على هذه المشكلة في بياناته، حيث أنني لم أكن على دراية بمشكلة التحكم في السلاح. لكن زيمرينج وهوكينز ركزاها على الفور لأنهما كانا يعلمان أن قوانين ترخيص الأسلحة كانت متساهلة في الجنوب والغرب والمناطق الريفية.

وبالفعل كان لدى هذه المُقاطعات قيود أقل على الأسلحة النارية. ولكن يجب أن نُلاحظ بأن التاريخ التشريعي يحبط قدرتنا على مقارنة الاتجاهات بين الولايات المُختلفة في نفس الفترة الزمنية؛ نظرًا لأن الولايات التي غيرت تشريعاتها ودستورها تختلف عن الولايات التي لم تفعل ذلك وبالتالي فإن مقارنة الفئات التشريعية المُختلفة ستجعلنا نسقط في خطر الخلط بين التأثيرات الديمغرافية والإقليمية وكذلك التأثير السلوكي للأنظمة القانونية المختلفة. كما لاحظ زيمرينج وهوكينز ما يلي:

بالطبع يُدرك لوت وموستارد هذه المشكلة، وقدما حلًا إحصائي قياسي ببناء نموذج إحصائي يتحكم في جميع الاختلافات بين ولاية أيداهو ونيويورك التي تؤثر على معدلات القتل والجريمة. فبخلاف القوانين ترخيص السلاح التي يجب أن تصدر فإن المرء إذا استطاع تحديد” الأسباب الرئيسية للقتل والاغتصاب والسطو المُسلح وجرائم السرقة في نموذجنا، فيمكننا القضاء هذه العوامل بطرق مُختلفة.

يبني لوت وموستارد نماذج تتضمن البيانات الديموغرافية والبيانات الاقتصادية والعقاب الجنائي على مختلف الجرائم. وتُعد هذه النماذج أفضل ما يُمكن الحصول عليه من علماء الإحصاء؛ حيث يتم اختيار هذه البيانات بشكلٍ مقصود ويُجرى اختبارها للحصول على نتائج كانت متوقعة سلفًا.

كان لوت وموستارد يقارنان البيانات في أيداهو ووست فرجينيا وميسيسيبي بالبيانات في واشنطن ونيويورك. وما حدث بالفعل هو أنه كان هناك عدد كبير في جرائم القتل في المدن الشرقية الكبيرة خلال الثمانينيات وحتى أوائل التسعينات. وتم بناء حُجة لوت برمتها على الإدعاء بأن الولايات الريفية والغربية قد نجت من هذه الجرائم بسبب قوانين ترخيص الأسلحة المعمول بها هناك. وما كان هذا الاستنتاج ليُؤخذ على محمل الجد لو لم يتم تأكيده بواسطة متاهة من المعادلات!

الأسطورة الثانية: سجن المزيد من الناس يعني انخفاض معدل الجرائم

كانت قضية لوت وموستارد استثنائية في حجم الاهتمام العام الذي تلقته. فمن الشائع والنموذجي، أن يتم نشر الدراسات المٌتنافسة باستخدام تقنيات الاقتصاد القياسي للتوصل إلى استنتاجات مُختلفة حول نفس القضية. في كثير من الأحيان لا يوجد شيء واضح في أي من التحليلات. فهم ببساطة يستخدمون مجموعة مُختلفة من البيانات أو تقنيات مختلفة لتحقيق نتائج مختلفة. يبدو كما لو أن مُستخدمي نماذج الانحدار المتعدد يُمكنهم تحقيق أي نتيجة يريدونها دون أن يُخالفوا قواعد التحليل بأي شكل من الأشكال!

في بيان واحد صريح بشكل استثنائي لإحباط من هذه الحالة، أفاد عالمان مُحترمان ومتخصصان في مجال الجريمة وهما توماس مارفيل وكارليسل مودي – (1997: 221) عن تلقي دراسة حول تأثير سجن المُعارضين على معدلات القتل. وذكروا أنهم:

تم إرسال نتائجهما والبيانات التي استخدماها في أبحاثهما إلى الكثير من الزملاء المُتخصصين في علم التحليل الكمي. ولكن الاستجابة الأكثر شيوعًا هو أن العلماء رفضوا تصديق هذه النتائج بغض النظر عن مدى جودة التحليل الإحصائي.

وراء هذا الجدل فكرة غالبًا ما تتم مناقشتها بشكل غير رسمي ولكن نادرًا ما يتم نشرها وهي أن علماء الاجتماع يمكنهم الحصول على أي نتيجة مرغوبة من خلال التلاعب بالإجراءات المستخدمة. في الواقع، يُنظر إلى مجموعة واسعة من التقديرات المتعلقة بتأثير عدد نزلاء السجون على الجريمة كدليل جيد على مرونة البحث. ولكن المفهوم الضمني المُنتشر بين الذين ينشرون دراسات كمية بانتظام هو أن النتائج لن تكون ذات مصداقية ما لم تتوافق مع التوقعات السابقة بغض النظر عن مدى دقة التحليل! وبالطبع لا يمكن أن ينجح نظام البحث في إطار هذا المفهوم.

اعترف مارفيل ومودي بمشاكل الانحدار المتعدد بشكلٍ صريح وقدما بعض الاقتراحات لتحسين هذا النموذج. ولكن لسوء الحظ فإن بعض علماء الاقتصاد ينغمسون في نماذجهم لدرجة أنهم يتجاهلون كونهم مُتعسفين في الوصول إلى نتيجة مُحددة بغض النظر عن إجراءات البحث، وهم يعتقدون أن نماذجهم أكثر واقعية وأكثر صحة من الواقع الفوضوي والمتمرد و”غير المنضبط” الذي يزعمون تفسيره!

الأسطورة الثالثة: إعدام الناس لخفض الجرائم

في عام 1975 نشرت مجلة American Economic Review مقالًا لإسحاق إرليتش وهو أحد كبار الاقتصاديين من جامعة ميشيغان، الذي قدر أن كل حالة يتم إعدامها فإنها تردع ثمانية جرائم قتل.

قبل إرليتش، كان ثورستن سيلين أشهر المتخصصين في دراسة مدى تأثير عقوبة الإعدام على التقليل من جرائم القتل ولكنه استخدم طريقة تحليل أبسط بكثير. أعد سيلين الرسوم البيانية التي تُقارن الاتجاهات في ولايات مختلفة ووجد اختلافًا بسيطًا أو معدومًا بين الدول التي تُطبق عقوبة الإعدام والدول التي لا تُطبقها، لذلك استنتج أن عقوبة الإعدام لم تحدث فرقًا. ولكن إيرليتش زعم أن تحليله أكثر دقة لأنه كان يسيطر على جميع العوامل التي تؤثر على معدلات القتل!

حتى قبل نشر هذه الدراسة فإن المحامي العام للولايات المتحدة استشهد بها في موجز تم تقديمه إلى المحكمة العُليا في الولايات المتحدة للدفاع عن عقوبة الإعدام. لحسن الحظ، فإن المحكمة قد قررت عدم الاعتماد على أدلة إرليتش لأنه لم يتم تأكيدها من قبل باحثين آخرين. وكان هذا القرار حكيمًا؛ ففي غضون عام أو اثنين قام باحثون آخرون بنشر تحليلات اقتصادية قياسية متطورة تُظهر أن عقوبة الإعدام ليس لها تأثير رادع.

كان الجدل حول عمل إرليتش كبيرًا للغاية لدرجة أن المجلس القومي للبحوث عقد فريقًا من الخبراء لمراجعته. وبعد مراجعة دقيقة للغاية، استنتجت اللجنة أن المشكلة لم تكن فقط في نموذج إرليتش، ولكن مع فكرة استخدام الأساليب الاقتصادية لحل خلافات حول سياسات العدالة الجنائية. وخلصوا إلى أن البيانات التي من المحتمل أن تكون متاحة لمثل هذا التحليل لها قيود وأن السلوك الإجرامي يمكن أن يكون معقدًا للغاية، وبالتالي لا يُمكن أن نتوقع إصدار دراسة تُخالف كل هذه البيانات المُثبتة من قبل وتُكذب الآثار السلوكية لسياسات الردع.

يعتقد معظم الخبراء الآن أن سيلين كان على حق وأن عقوبة الإعدام ليس لها تأثير يمكن إثباته على معدلات القتل، لكن إرليتش لم يقتنع. وهو الآن المؤمن الوحيد الحقيقي بصحة نموذجه! في مقابلة أجريت معه مؤخرًا (Bonner and Fessendren, 2000) أصر على أنه “إذا تم أخذ متغيرات مثل البطالة، وعدم المساواة في الدخل، والخوف الاجتماعي فإن عقوبة الإعدام سوف يكون لها تأثيرًا رادعًا كبيرًا”.

poof econometrics

الأسطورة الرابعة: الإجهاض القانوني تسبب في انخفاض الجريمة في التسعينات

في عام 1999، أصدر جون دونوهيو وستيفن ليفيت دراسة تُفسر أسباب الانخفاض الحاد في معدل جرائم القتل في التسعينيات.وتوصلا إلى أن تشريع المحكمة العليا الأمريكية للإجهاض في عام 1973 تسبب في انخفاض ولادة الأطفال غير المرغوب فيهم الذين كان عدد غير قليل منهم سوف يصبحون مجرمين!

المشكلة في هذه الحجة هو أن تقنين الإجهاض كان حدثًا تاريخيًا لمرة واحدة وأن الأمور التي تحدث لمرة واحدة لا تُقدم بيانات كافية لتحليل الانحدار المُتعدد! صحيح أن الإجهاض تم تشريعه في وقت سابق في بعض الدول والولايات واستفاد دونوهيو وليفيت من هذه الحقيقة. لكن كل هذه الدول والولايات كانت تمر بنفس الفترة التاريخية وكانت هناك أشياء أخرى كثيرة تحدث في نفس الفترة التاريخية التي أدَّت إلى خفض معدلات القتل. ويجب أن يلتقط تحليل الانحدار المُتعدد الصحيح كل هذه الأشياء ويختبرها تحت مجموعة واسعة من المُتغيرات والاختلافات. ولكن البيانات الحالية لا تسمح بذلك، لذا فإن نتائج تحليل الانحدار المُتعدد سوف تختلف اعتمادًا على البيانات التي يتم اختيارها لإجراء التحليل.

في هذه الحالة، اختار دونوهيو وليفيت التركيز على التغيير الذي حدث على مدار 12 عامًا، متجاهلين التقلبات التي شهدتها تلك السنوات في مُختلف الدول والولايات. لذا فإن جيمس فوكس أشار إلى إنهم: “تجاهلا مُعظم التغيُرات المُرتبطة بمُعدَّل الجريمة خلال هذه الفترة – مثل الاتجاه التصاعدي خلال أواخر الثمانينيات والتصحيح الهبوطي في السنوات التالية. فهو أمر يُشبه دراسة تأثير أطوار القمر على المد والجزر في المحيطات ولكن تم تسجيل البيانات فقط خلال فترات المد المنخفض!”.

عندما كنت أكتب هذا المقال، اقتبست هذه الجُملة في مُفكرتي: “من المُحتمل قريبًا أن يقوم خبير إحصائي آخر باستخدام الانحدار المُتعدد لإعادة تحليل نفس البيانات والتوصل إلى استنتاجات مختلفة!”. بعد بضعة أيام، أعطتني زوجتي جريدة تحتوي على قصة صحفية حول دراسة مُشابهة. ومؤلف هذه الدراسة هو جون لوت من جامعة ييل بالإضافة إلى جون ويتلي من جامعة أديليد. لقد حطما نفس الأرقام وخلصا إلى أن “تقنين الإجهاض سوف يُزيد من معدلات القتل بحوالي %0.5 إلى 7%” (Lott and Whitely, 2001).

لماذا تختلف هذه النتائج بشكل ملحوظ؟ ببساطة لأن كل مجموعة من الباحثين اختارت طريقة مختلفة لتحليل مجموعة غير كافية من البيانات. وفي الحقيقة فإن مبادئ الاقتصاد القياسي لا يُمكن أن تُصدر قانونًا عامًا ساريًا مُعتمدة على الربط بين تقنين الإجهاض في التسعينات وانخفاض مُعدل الجريمة في التسعينات. فلكي نتمكن من إيجاد علاقة بين هذين المُتغيريْن فنحن نحتاج إلى عشرات من التجارب الدقيقة لكل فترة تاريخية في كل دولة وفي كل ولاية لنتمكن من إجراء اختبار إحصائي واحد صالح!

الخلاصة

إذا تم إجراء الاختبار الحمضي في النمذجة الإحصائية فإن النتيجة ستكون تنبؤ ولا يجب أن يكون التنبؤ مثاليًا وواجب التحقيق ولكنه سوف يمنحنا نظرة إلى مُستقبل الظاهرة أفضل من التخمين العشوائي. على سبيل المثال، إذا كان بإمكان نموذج الإنحدار المُتعدد التنبؤ بأسعار الأسهم أفضل قليلاً من التخمين العشوائي، فإنه سيجعل أصحابه أثرياء بين عشية وضحاها؛ ففي أسهم البورصة يُمكن اختبار وتقييم الأسهم بشكلٍ دقيق على عكس الظواهر والسياسات الاجتماعية التي من الصعب إخضاعها لتقنيات الإقتصاد القياسي والتحليل الكمي.

والعذر الذي يضعه المُحللون هو أن النتائج تستغرق وقتًا طويلاً حتى يتم الإعلان عنها ونشرها، وهم لا يحصلون على بيانات جديدة حول الفقر أو الإجهاض أو القتل كل بضع دقائق كما يفعل المُحللون الاقتصاديون مع أسعار الأسهم!

ومع ذلك يُمكن للباحثين إجراء اختبارات تنبؤية بطرق أخرى. حيث يمكنهم تطوير نموذج يتم فيه استخدام بيانات ولاية أو فترة زمنية واحدة، ثم استخدام هذا النموذج المُحدد للتنبؤ بالبيانات في فترات زمنية أخرى أو أماكن مُختلفة. لكن مُعظم الباحثين لا يفعلون ذلك وإذا فشلوا في استخدام النماذج فإن النتائج لا يتم نشرها.

الجرائد والمجلات التي تنشر دراسات الاقتصاد القياسي الخاصة بقضايا السياسات العامة لا تطلب عادة إجراء اختبارات تنبؤية وهو ما يدل على أن المحررين والمراجعين لديهم توقعات منخفضة تجاه مجالاتهم. لذا فإن الباحثين يأخذون بيانات فترة زمنية محددة ويواصلون ضبط وتعديل نموذجهم حتى يتمكنوا من “شرح” الاتجاهات التي حدثت بالفعل.

هناك الكثير من الطرق للقيام بذلك خاصة مع أجهزة الكمبيوتر الحديثة وبالتالي فليس من الصعب الاستمرار في المحاولة حتى تجد شيئًا مناسبًا. وفي تلك اللحظة، فإن الباحث يتوقف ويكتب نتائجه ويرسل الورقة للنشر. في وقت لاحق، قد يقوم باحث آخر بتعديل النموذج للحصول على نتيجة مختلفة وبالتالي فإن صفحات المجلات العلمية تكون مُمتلئة دائمًا والجميع يتظاهرون بعدم ملاحظة أنه يتم إحراز تقدم ضئيل أو معدوم، وفي الحقيقة فإننا الآن لسنا أقرب إلى وجود نموذج إحصائي لمعدل جرائم القتل مما كنا عليه عندما نشر إسحاق إرليتش النموذج الأول في عام 1975.

ليس لدى المجتمع العلمي إجراءات جيدة لإثبات بفشل طريقة البحث المستخدمة على نطاق واسع، ونظرًا لأن الجامعات الرائدة تميل إلى الأساليب الراسخة في برامج الدراسات العليا فمن الصعب الاعتراف بفشل هذه الطريقة واستخدام طرقًا بحثية أخرى، والنتيجة هي المزيد من هذه الدراسات التي يتم نشرها في المجلات المرموقة بشكلٍ دوري. ويفترض العديد من الأشخاص العاديين أنه إذا تم نشر دراسة في مجلة علمية معروفة فإن هذه الدراسة قد تمت مراجعتها من قبل فريق مُتخصص من العلماء وبالتالي فهي حقيقية ودقيقة. ولكن تُظهر الحالات التي تناولناها في هذا المقال أن هذا ليس هو الحال دائمًا. تؤكد مراجعة المُختصين أنه تم اتباع الإجراءات المعمول بها، ولكن هذه الإجراءات نفسها خاطئة!

في عام 1991، قام عالم الاجتماع المتميز في جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومؤلف الكتب المدرسية حول طرق البحث الكمي بهز أسس نمذجة الانحدار المُتعدد حينما كتب مقالًا جاء فيه: “لا أعتقد أن الانحدار المُتعدد يمكن أن يُقدم حججًا سببية. ولا تقدم معادلات الانحدار الكثير من المساعدة في ضبط المتغيرات المُربكة” (Freedman, 1991: 292)، وأثار مقال فريدمان ردود فعل قوية.

ولكن ريتشارد بيرك لاحظ أن حجة فريدمان “سيكون من الصعب للغاية على معظم علماء الاجتماع الكميين قبولها. لأنها تُطيح بصميم مشروعهم التجريبي وبذلك تعرض حياتهم المهنية كلها للخطر”.

في مواجهة الأشخاص الذين يريدون الحصول على أدلة قوية تُثبت قدرتهم على التنبؤ بالاتجاهات المُستقبلية للظواهر الاجتماعية. فإن مناصري الإنحدار المُتعدد يُقدمون حججًا قوية ومُعقدة للغاية بحيث لا يستطيع سوى مُحللي الانحدار المُتعدد المدربين تدريباً عاليًا فهمها ناهيك عن دحضها وغالبًا تعمل هذه التقنية. وبالتالي فإن النقاد المحتملين ببساطة يستسلمون أمامهم، ويبدو الأمر أمام العامة وصغار الدارسين على أن استخدام الانحدار المُتعدد في دراسة الظواهر الاجتماعية هو أمر غير قابل للدحض.

نشر ديفيد بولدرت في فيلادلفيا إنكويرر مقالاً عام 1999 بعد قراءة استنتاج جون لوت عن العلاقة بين الأسلحة المُرخصة المخفيّة ومعدلات القتل، وبعد أن تتحقق من هذا الأمر مع خبراء آخرين فإنه أعرب عن أسفه لأن “محاولة فرز الحجج الأكاديمية في هذه الدراسة هي عمل أحمق! يُمكنك أن تغرق في المناظرات حول الإحصائيات والمتغيرات الوهمية وطرق تحليل البيانات ولكن كل هذه البيانات لن تُقدم لك نتيجة يُمكن الاعتماد عليها.

كان بولت محقًا في أنه تم استدراجه لمُهمة حمقاء! ففي الواقع، فإن المروجين الأساسيين لعلم الاجتماع الكمي وعلم الجريمة هم الصحفيين وصانعي السياسات الذين يفتقرون إلى درجات عليا في اختبارات الاقتصاد القياسي الدراسية!

وهو الوقت الذي علينا أن نعترف فيه بأن هذه الأرقام والإحصاءات لا تعدو كونها “مُحاكاة للعلم الكمي” ولكنها ليست علمًا في الأساس حتى وإن استخدمت اساليب وطرق إحصائية تقليدية! فعند تقديم نموذج للاقتصاد القياسي، يجب أن يتم تقديم دليل على إمكانية التنبؤ بمستقبل الاتجاهات بخلاف البيانات المستخدمة لإنشاء هذا النموذج. والنماذج التي تفشل في هذا الاختبار هي علم غير مُهم، بغض النظر عن مدى تعقيد تحليل البيانات في هذا النموذج.

المراجع

Berk, Richard.A. 1991. Toward a methodology for mere mortals,” Sociological Methodology 21: 315-324.

Boldt, David. 1999. “Study evidence on guns,” Philadelphia Inquirer, December 14. Downloaded on May17, 2000 from: http://www.phillynews.com/inquirer/99/Dec/14/opinion/BOLDT14.htm.

Black, Dan. and Daniel Nagin 1998. Do right-to-carry laws deter violent crime? Journal of Legal Studies 27: 209-219

Bonner, Raymond and Ford Fessendren. 2000. States with no death penalty share lower homicide rates,” New York Times, September 22. Downloaded from: http://www.nytimes.com/2000/09/22/national/22DEAT.html

Donohue, John and Steven Levitt. 1999. Legalized Abortion and Crime. Stanford University Law School. Downloaded in August, 2000 from: http://papers.ssrn.com/paper.taf?ABSTRACT_ID=174508.

Fox, James. 2000. Demographics and U.S. homicide, In A. Blumstein and J. Wallman (eds.), The Crime Drop in America, Cambridge University Press, New York, pp. 288-317.

Freedman, David 1991. Statistical models and shoe leather. Sociological Methodology 21: 291-313.

Lott, John. 2000. More Guns, Less Crime: Understanding Crime and Gun Control Laws. University of Chicago Press, second edition with additional analyses.

Lott, John. and John Whitley. 2001. Abortion and crime: Unwanted children and out-of-wedlock births,” Yale Law & Economics Research Paper No. 254. Downloaded on July 9, 2001 from: http://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=270126.

Marvell, Thomas and Carlisle Moody, C. 1997. The impact of prison growth on homicide. Homicide Studies 1: 205-233.

Zimring, Frank and Gordon Hawkins. 1997. Concealed handguns: the counterfeit deterrent, The Responsive Community 7: 46-60.

المراجع
جورج كسار
المؤلف
الخبرة :8 عوام

جورج كسار هو مُساعد مدير موقع ArabCasinoHEX. وُلِد جورج في بورت ماكواري، نيو ساوث ويلز، أستراليا، وقضى طفولته بالقرب من شاطئ لايتهاوس. درس جورج التصميم الجرافيكي في جامعة كيرتن، سيدني. يمتلك جورج خبرة طويلة في صناعة الألعاب والرهانات الرياضية. فقبل أن تكون مجال عمله، كانت الألعاب هي شغفه الأول وهوايته الرئيسية. يحب جورج الروليت وكذلك سلوتس ولديه شهية خاصة تجاه اكتشاف الكازينوهات ومواقع المراهنات الرياضية الجديدة، ولذلك فإنه يُقدم مراجعات شاملة لهذه المواقع تشمل المكافآت، والألعاب، وخيارات المقامرة الأخرى، والوسائل المالية، وغيرها من الجوانب أيضًا.